المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

تنافس أمريكي صيني على توسيع حرب التجسس بينهما

قالت صحيفة The New York Times الأمريكية في تقرير نشرته الأحد 17 سبتمبر/أيلول 2023، إنه وبعد انحراف منطاد التجسس الصيني عن مساره وانكشاف تحليقه فوق الولايات المتحدة في فبراير/شباط 2023، علمت وكالات الاستخبارات الأمريكية أن الرئيس الصيني شي جين بينغ اشتد غضبه على كبار الجنرالات العسكريين الصينيين.

وحاولت وكالات التجسس الأمريكية أن تصل إلى مقدار ما كان يعرفه شي بشأن العملية، وما الإجراءات التي سيتخذها عقب انفجار المنطاد، الذي كان يستهدف في الأصل القواعد العسكرية الأمريكية في غوام وهاواي.

الصين تدعم عمليات التجسس ضد أمريكا

لا يعارض الرئيس الصيني عمليات التجسس المحفوفة بالمخاطر ضد الولايات المتحدة، لكن وكالات الاستخبارات الأمريكية خلصت إلى أن جيش التحرير الشعبي الصيني أبقى الأمر مخفياً عن شي، حتى أصبح المنطاد فوق الولايات المتحدة.

وامتنع المسؤولون الأمريكيون عن التطرق إلى كيفية حصول وكالات التجسس على هذه المعلومات، إلا أن صحيفة The New York Times الأمريكية تكشف لأول مرة، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين مطلعين على المعلومات الاستخبارية ذات الصلة، أنه حين علم شي بمسألة المنطاد وأدرك أنها تعرقل المحادثات المخطط لها مع وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، وبَّخ كبار الجنرالات الصينيين لعدم إخباره بأن المنطاد قد ضل طريقه فوق الأراضي الأمريكية.

تسلط أزمة مناطيد التجسس الضوءَ على حرب التجسس واسعة النطاق وشديدة السرية بين الولايات المتحدة والصين. فواشنطن ترى أن جهود التجسس ركن مهم من استراتيجية الرئيس الأمريكي جو بايدن لتقييد الصعود العسكري والتكنولوجي للصين، ويتماشى ذلك مع رؤية بايدن التي تتمثل في أن الصين هي التحدي الأكبر للقوة الأمريكية على المدى الطويل.

أما بكين، فإن تسامحها المستجد مع العمليات الجريئة لوكالات التجسس الصينية مستمد من الرئيس الصيني نفسه، لا سيما أنه يقود جيشه للخوض في تحركات يراها الغرب عدوانية على طول حدود البلاد، وقد دفع أجهزة الاستخبارات الصينية إلى زيادة نشاطها في نطاق أوسع بكثير من ذي قبل.

يسعى الجانبان بهذه المساعي إلى الإجابة عن سؤالين بارزين: ما نيات القادة في الدولة المنافسة؟ وما القدرات العسكرية والتكنولوجية التي تتوافر لديهم؟

صراع محتدم بين أمريكا والصين 

أكد المسؤولون الأمريكيون، الذين تحدث معظمهم شريطة عدم الكشف عن هويته، في مقابلات أجريت معهم على مدار العام، أن الصراع محتدم. وتركز وكالة الاستخبارات الأمريكية على الرئيس الصيني نفسه، وخاصة ما ينتوي أن يفعله بخصوص تايوان.

وفي الوقت نفسه، كثَّفت فرق مكافحة التجسس التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عمليات بحثها في جميع أنحاء البلاد عن التحركات الصينية لتجنيد جواسيس داخل الولايات المتحدة. وكشف العملاء الأمريكيون عن عشرات العمليات التي اخترق فيها مواطنون صينيون قواعد عسكرية على الأراضي الأمريكية منذ العام الماضي.

ويتسابق كلا البلدين لتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، التي يعتقدان أنها لا غنى عنها للحفاظ على التفوق العسكري والاقتصادي، وأنها ستمنح وكالات التجسس قدرات غير مسبوقة.

في المقابل، يقول المسؤولون الأمريكيون إن مساعي التجسس الصينية تمتد إلى جميع جوانب الأمن القومي، والدبلوماسية، والتكنولوجيا التجارية المتقدمة في الولايات المتحدة والدول الشريكة.

وقد أنشأت وكالة الاستخبارات الأمريكية ووكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع (البنتاغون) مراكز جديدة يتمحور عملها على التجسس على الصين. وعزز المسؤولون الأمريكيون قدراتهم على اعتراض الاتصالات الإلكترونية، ويشمل ذلك استخدام طائرات التجسس قبالة سواحل الصين.

ويرى كريستوفر راي، المسؤول بمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، أن صراع التجسس مع الصين أوسع نطاقاً من ذلك الذي دار بين الأمريكيين والسوفييت خلال الحرب الباردة، لأن التعداد الكبير لمواطني الصين واقتصادها القوي يجعلانها قادرة على إنشاء أجهزة استخبارات أكبر من نظيرتها لدى الولايات المتحدة.

وقال راي: “الحقيقة أن الصينيين أكثر عدداً منا بكثير في ساحة التجسس، ولكننا نحمل على عاتقنا مهمة الدفاع عن الشعب الأمريكي هنا في الداخل”، و”أرى أن هذا هو التحدي الذي يواجه جيلنا”.

أمريكا لديها أكبر شبكة تجسس في العالم

أما الصين، فتُخالف هذا الرأي بشأنها. وقال وانغ وينبين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن “الولايات المتحدة هي الدولة الأولى في مجال المراقبة والتجسس، ولديها أكبر شبكة تجسس في العالم”.

يقول المسؤولون الأمريكيون إن أهم وسائل الصين لجمع المعلومات الاستخبارية هي الأقمار الاصطناعية المعززة بقدرات تكنولوجية، والاختراقات الإلكترونية، علاوة على مناطيد التجسس، التي وإن كانت أقل تطوراً بكثير من الوسائل الأخرى، فإنها أتاحت للصين استغلال “الفضاء القريب” غير الخاضع لقيود تنظيمية بعدُ. وقد حذرت الحكومة الأمريكية حلفاءها من أن قدرات المراقبة الإلكترونية الصينية يمكن أن تتوسع إذا استخدمت دول العالم الأدوات التكنولوجية التي تنتجها شركات الاتصالات الصينية.

وفي غضون ذلك، ترى حكومة الولايات المتحدة أن تقدمها في مجال الذكاء الاصطناعي إحدى الوسائل التي تعاونها في تعويض التفوق الصيني في العدد. ويقول مسؤولون أمريكيون إن المسؤولين الصينيين يتطلعون إلى العون القادم من هذه التكنولوجيا في التصدي للقوة العسكرية الأمريكية، ويشمل ذلك القدرة على تحديد مواقع الغواصات الأمريكية، وفرض الهيمنة على الفضاء.

ومن جهة أخرى، يتخوف المسؤولون الأمريكيون -أكثر من أي وقت مضى- من مساعي الوكالات الصينية لجمع المعلومات الاستخبارية من خلال الاتصالات الشخصية. ويقولون إن وزارة أمن الدولة الصينية، جهاز الاستخبارات الرئيسي في الصين، يسعى إلى تعيين عملاء وتجنيد جواسيس له في مختلف وكالات الحكومة الأمريكية، وكذلك في شركات التكنولوجيا والصناعات العسكرية.

الصين تستهدف منصات التواصل للتجسس

يعتمد العملاء الصينيون على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة موقع “لينكد إن” LinkedIn، لجذب المجندين المحتملين. وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إنه متى ما تولى أمريكي وظيفة استخباراتية علنية، فإن عليه أن يتوقع وابلاً من محاولات التواصل معه من مواطنين صينيين على وسائل التواصل الاجتماعي.

مع ذلك، يرى نقاد أن بعض أعمال مكافحة التجسس الأمريكية متحيزة عنصرياً ومهووسة بالارتياب، وهو ما جعل الأمر يصل إلى اتهامها بأنها تتوهم خطراً أحمر آخر، كالخطر السوفييتي، وهي تهمة يمكن الاستدلال على صحتها بالقضايا الكثيرة التي اضطرت وزارة العدل الأمريكية إلى إسقاطها بسبب افتقارها إلى الأدلة، وإغلاقها برنامج تعقب التجسس الاقتصادي الصيني الذي أنشأه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد اتهامه بالتحيز وعدم الفاعلية.

علاوة على ذلك، أنشأت الحكومتان المتنافستان مراكز تنصت جديدة وعقدت اتفاقيات سرية لتبادل المعلومات الاستخبارية مع الحكومات الأخرى. وقد كثَّف العملاء الأمريكيون والصينيون عملياتهم في المدن المحورية، مثل بروكسل وأبوظبي وسنغافورة، إذ يسعى كل جانب إلى التأثير في المسؤولين الأجانب وتجنيد الجواسيس في مواقع حساسة.

اترك تعليقا