المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

«فورين بوليسي»: كيف تحوِّل سياسات مودي حياة الروهينجا إلى جحيم؟

سلَّطت مجلة «فورين بوليسي»  الضوء على سياسات الحكومة الهندية الأخيرة المعادية للإسلام التي حولت الظروف المعيشية للاجئي الروهينجا إلى أسوأ أحوالها، وذلك في تقريرٍ نشرته وأعدَّه تاروشي أسواني، صحافي مستقل يُقيم في العاصمة الهندية نيودلهي.

متى بدأت المشاعر المعادية للروهينجا تتصاعد في الهند؟

استهل الكاتب تقريره بالإشارة إلى ما يعانيه مئات الآلاف من مسلمي الروهينجا الذين لجأوا إلى عديد من الدول حول العالم، بعد عقود من الاضطهاد في ميانمار، والذي بلغ ذروته في حملة الإبادة الجماعية التي شنَّها ضدهم جيش ميانمار في عام 2017. ويُناضل عديد من الذين فروا من أجل إعادة توطينهم في بلدان اللجوء الخاصة بهم، وخاصة في الهند، حيث يعيش نحو 17 ألفًا من الروهينجا في مخيمات اللاجئين، وأكَّد كثيرون منهم أن الإمكانيات والرعاية الصحية في الهند أسوأ من دول أخرى، مثل ماليزيا وتايلاند وبنجلاديش.

ويؤكد التقرير أن اللاجئين الروهينجا في الهند لا يواجهون ظروفًا معيشية مزرية فحسب، بل يتعرضون كذلك لمزيد من الاضطهاد للسبب نفسه الذي كانوا يتعرضون للاضطهاد من أجله في ميانمار، وهو دينهم الإسلام. وكانت المشاعر المعادية للمسلمين في الهند قد تصاعدت منذ تولي حزب «بهاراتيا جاناتا (BJP)» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي السلطة في عام 2014.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، استحدثت حكومة مودي عدة تغييرات في السياسات استهدفت أن يظل المسلمون عاجزين ووجودهم غير محسوس به، بدايةً من إلغاء الوضع شبه المستقل لكشمير، الولاية ذات الأغلبية المسلمة، ووصولًا إلى تمرير مشروع قانون المواطنة المثير للجدل، الذي قوبل باحتجاجات عارمة في جميع أنحاء الهند، وقيل إنه يمنع عديدًا من المسلمين من الحصول على الجنسية ويجعلهم فعليًّا بلا جنسية. وخلال تلك العملية، أصبح الروهينجا عرضة وهدفًا للمشاعر المعادية للمسلمين، مما دفع كثيرًا من الروهينجا حاليًا للشعور بالقلق من أنهم قد يضطرون إلى الفرار مرةً أخرى.

ويحاول كاتب التقرير تحديد متى بدأت الكراهية ضد الروهينجا في الهند مستشهدًا بما قاله صابر كياو مين، اللاجئ ومدير مبادرة حقوق الإنسان للروهينجا في نيودلهي، والذي أفاد أنه: «منذ عام 2017، بدأت الجماعات المتطرفة في ولايات هندية معينة في استهداف مجتمع الروهينجا. وأضرموا النيران في المخيمات، واعتدوا على اللاجئين مع تصاعد خطابات الكراهية ضد الروهينجا، بالإضافة إلى فرض قيود كثيرة على الحياة المتواضعة التي نعيشها». وتشمل هذه القيود التحقق من الهوية باستخدام السمات البيولوجية (البيومترية) ووقوف أفراد الشرطة على أبواب مخيمات اللاجئين.

وفي عام 2017، صرَّح كيرين ريجو، وزير الهند للشؤون الداخلية آنذاك، إن: «الحكومة أصدرت تعليمات تفصيلية لترحيل الأجانب غير الشرعيين، ومنهم الروهينجا». وعلى الرغم من أن هذا يتعارض مع القانون الهندي والدولي، فإنه أثار حملة قمع غير مسبوقة ضد جالية الروهينجا المسلمين. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2018، منعت حكومة مودي اللاجئين من الحصول على بطاقة آدهار، وهي وثيقة هوية أساسية (رقم تعريف مكون من 12 خانة) قائمة على قياسات السمات الحيوية، وهي ضرورية للحصول على الخدمات الأساسية، مثل الخدمات المصرفية والرعاية الصحية والتعليم والوظائف، في الهند.

جحيم اللاجئين الروهينجا في الهند!

في هذا الصدد، أوضح صابر كياو مين أن جائحة كوفيد-19 أدَّت إلى تعميق مخاوف البقاء على قيد الحياة في دولة لا تُقدِّم أيَّ ضمانات قانونية للاجئين، (الهند ليست من الدول الموقِّعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951). وتعيش جالية الروهينجا في مدينة دلهي، مثل مجتمعات اللاجئين الأفغان والصوماليين والسودانيين، باستمرار وهم يشعرون بأنهم على حافة الهاوية بسبب الخوف من الاعتقالات والتهديدات بالترحيل وحملات القمع المتزايدة التي تمارسها قوات الأمن.

ويشير التقرير إلى أن لاجئي الروهينجا في جميع أنحاء الهند أعربوا عن قسوة الحياة التي يعيشونها. وفي دلهي، اندلع حريق ضخم في مخيم مادانبور خضر للاجئين في 12 يونيو (حزيران) بسبب ماس كهربائي التَهمَ نحو 56 كوخًا، وهو ثاني حادث حريق يحدث في المخيم خلال ثلاث سنوات. وأنقذ اللاجئون أي وثائق بحوزتهم لأنهم رأوا حياتهم المؤقتة تتحول إلى رماد. يقول أحد اللاجئين، الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، ونحن: «في ميانمار، فررنا خوفًا من الجيش هناك. وهنا، كنا نركض لإنقاذ مستقبلنا من الانهيار».

وفي مخيم شاران فيهار في دلهي والذي لا يبعد كثيرًا عن المخيم السابق ذكره، وفي الأول من سبتمبر (أيلول) أودت الفيضانات بحياة محمد جاشم أحد لاجئي الروهينجا، الذي يبلغ من العمر 18 عامًا، والذي لقي حتفه بعدما سار بقدميه في المياه التي كانت تلامس سلكًا به تيار كهربائي في خيمته بينما كان والداه ينظران إليه عاجزَيْن عن تقديم أي مساعدة له. يقول نور الأمين، أحد لاجئي المخيم، إن: «الأبوين ظلا يلعنان قدَرَهما. وظلا يرددان أن الصبي كان يريد أن يجني لهم المال الوفير».

وتناول التقرير أيضًا ما قاله محمد رُفيق، من اللاجئين الروهينجا، ويبلغ من العمر 29 عامًا ويعيش في مخيم في بلدة بنهانا في ولاية هاريانا الواقعة شمال الهند، عن الفيضانات. ويعيش رُفيق تحت ثلاث أغطية من المشمَّع الملوَّن المثبَّتة بحبال من النايلون والمدعومة بعصي من الخيزران، على غرار معظم المنازل الأخرى في المخيم. ومنذ يوليو (تموز) الماضي يعمل رُفيق على ترميم الثقوب في خيمته التي سببتها الرياح الموسمية. يقول رُفيق: «عندما ينزل القطْر من السماء، تمتلئ الخيمة بالماء، وتسبح أمتعتنا في الماء أمام أعيننا».

ومع هطول الأمطار، تتزايد أيضًا تهديدات العقارب والثعابين والحشرات السامة، ويستدعي رُفيق إلى الأذهان حادثة وقعت في 17 سبتمبر الماضي، قائلًا إن: «ثعبانًا لدغ طفلًا عمره 3 سنوات كان ينام في المخيم، وتحول لون بشرة الطفل إلى اللون الأزرق ومات على الفور. وهذا هو نوع السكن الذي نعيش فيه، وهذه هي حياتنا بصفتنا لاجئين».

معاناة متجددة لا تتوقف!

يسرد التقرير بعضًا من معاناة الروهينجا من معسكر آخر في ولاية هاريانا الهندية؛ إذ تحدث حسين، أحد قادة جالية الروهينجا وطلب الكشف عن اسمه الأول فقط لتجنب الوقوع ضحية لبطش الشرطة، عن مشكلات مماثلة وأخرى مالية. وكان حسين يحلم في السابق بأن يصبح عالم رياضيات، ولكنه بدلًا من ذلك عمل في مهنة عامل بأجرٍ يومي يخلط الأسمنت في مواقع البناء. ويكافح حسين حاليًا من أجل إطعام أسرته، مؤكدًا أن الموارد المالية كانت شحيحة منذ وصوله إلى الهند قبل 10 سنوات.

ونظرًا إلى عدم وجود الوثائق، لا يُمكن للاجئين في الهند التقدم للوظائف غير الرسمية إلا في وظائف محدودة مثل عمال بأجر يومي وعمال نظافة وخياطين، أو يعملون مثل حسين في مجال البناء. وهذا الأمر يعني أن لاجئي الروهينجا ليس لهم راتب ثابت أو عقد عمل أو تأمين طبي، وأسفر ذلك عن اضطرار عديد من عائلات اللاجئين إلى العمل في وظائف منخفضة الأجر أو العيش على الحد الأدنى من المساعدة المالية التي توفرها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتقول اللاجئة نور مرجان، البالغة من العمر 18 عامًا، إن: «عدم الاستقرار المالي أثَّر في النساء بوجه خاص. فعلى سبيل المثال، كان بعض النساء مجبرات بسبب الفقر على استخدام القماش في النظافة الشخصية، بدلًا من منتجات النظافة النسائية الجاهزة، مثل الفوط الصحية».

وينوِّه التقرير إلى أن جائحة كوفيد-19 أدَّت إلى تدهور الأمور إلى الأسوأ. يوضح نصر الله، لاجئ من مخيم «مادانبور خُضر» في نيودلهي، والذي طلب أيضًا ذكر اسمه الأول فقط للحفاظ على أمنه الشخصي، إن: «مجتمع الروهينجا بأسره كان يقيم داخل المخيم لتجنب الإصابة بمرض كوفيد-19 والحد من التحركات الكثيرة، بالإضافة إلى استخدام قطع من القماش أقنعةً للوجه». وفي وقت لاحق يشير نصر الله إلى أن: «جائحة كوفيد-19 لم تكن هي ما نخشاه، بل كنا نخشى فكرة الاضطرار إلى الموت بسبب الموارد المالية المزرية لتلقي العلاج في المستشفيات». وكان نصر الله يقدِّم الرعاية الصحية لعائلته من خلال تجهيز شراب خليط محلي من الأعشاب. وأكد أنه يعلم أن المشروب ليس له قيمة علمية، لكنه العلاج الوحيد الذي يمكنه تحمُّل تكلفته.

وفي السياق ذاته، قالت سلمى بي، اللاجئة في خيمة مجاورة لنصر الله، إنه: «كان من الأفضل أن يقضي علينا فيروس كورونا المستجد. وتدور حياتنا حتى الآن حول الفرار من بلد إلى بلد آخر. إذ فررنا من ولاية أراكان في ميانمار. وفررنا من بنجلاديش. وحاليًا نعيش هناك، لكننا لا نعيش حياة حقيقية. ويبدو الأمر كما لو أننا محتجزون في كل بلد نَفِرُّ إليه».

انظروا إلينا على أننا بشر!

يلفت التقرير إلى أن اللاجئين الروهينجا، ومنهم حسين، بعد هروبهم من الإبادة الجماعية، كانوا يحلمون بأن يعيشوا حياةً بلا خوف في الهند، وإمكانية الالتحاق بالدراسة، والقدرة على كسب المال، وعدم الاضطرار إلى إخفاء دينهم في الأماكن العامة، كما فعل في ميانمار. ويوضح حسين: «أجبرتني والدتي على الفرار لأعيش». وعلى غرار عديد من اللاجئين الروهينجا، كان حسين يحلم بأن الحياة في الهند تستحق العيش، حتى لو كان ذلك يعني البدء من الصفر. يقول حسين: «اعتدنا على مشاهدة الأخبار عن الهند ومشاهدة الأفلام الهندية. ونحن في ميانمار، رأينا الهند وكأنها دولة ديمقراطية تقدمية تُقدِّر العلمانية».

ومنذ عام 2014، وضع حزب بهاراتيا جاناتا هدفه المتمثل في تهميش المسلمين نُصْب عينيه، وكان ذلك واضحًا كالشمس لكل ذي عينين. وبدايةً من بناء معبد هندوسي على حطام مسجد بابري، ووصولًا إلى التدخل في التشريعات الإسلامية الخاصة بالزواج، حاول حزب «بهاراتيا جاناتا» الالتزام ببرنامجه الانتخابي. وحتى عندما كان العالم يُحارب كوفيد-19، كان حزب بهاراتيا جاناتا منشغلًا بنشر الأكاذيب وتقديم صورة مضلِّلة عن المسلمين في أن لهم دورًا في نشر الفيروس عمدًا. وأدَّى هذا التميز المستمر إلى تفاقم الصعوبات الحالية المتمثلة في الافتقار إلى الجنسية والسقوط في غياهب النسيان التي يواجهها اللاجئون المسلمون.

ويؤكد التقرير أن الاضطهاد ضد المسلمين تفاقم هذا العام فحسب. وفي مارس (آذار)، وُضِع نحو 170 لاجئًا من الروهينجا، ومنهم نساء وأطفال، في سجن هيرانجار الفرعي الموجود في مدينة كاثوا بالهند، بعد أن زعمت الحكومة أنهم مهاجرون غير شرعيين. وعزلت الشرطة الهندية الآباء عن الأطفال، الذين ظلوا يبكون في خيام فارغة دون طعام. ولا يزال اللاجئون رهن الاعتقال حتى الآن. وفي أغسطس (آب)، انتشرت أخبار عن الفظائع المرتكبة ضد المسلمين أسبوعيًّا. وفي المدن الهندية الكبرى، مثل أجمر وكانبور وإندورودلهي، تعرض المسلمون للاعتداءات، وأُجبروا على ترديد جاي شري رام (شعار هندوسي يعني المجد للإله راما)، بالإضافة إلى دعوة الجماعات اليمينية الهندوسية إلى إبادة مسلمي الروهينجا إبادة جماعية.

ويختتم الكاتب تقريره بالتأكيد على أن الروهينجا، الذين يحاصرهم المتطرفون اليمينيون، لا يشعرون بالقلق في الوقت الراهن بشأن ظروفهم المعيشية فحسب، ولكنهم يخشون أيضًا من إجبارهم على مغادرة الهند. يقول حسين «لا تنظروا إلينا بصفتنا مسلمين أو لاجئين. ولكن انظروا إلينا بصفتنا بشرًا نعيش في خطر وناجِين من إبادة جماعية».

اترك تعليقا