المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

كيف أصبحت الهجرة سلاحًا في “الحرب المختلطة”؟

خلال زيارة أداها إلى إحدى مخيمات اللاجئين، حثّ ألكسندر لوكاشينكو مجموعة من المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل على حدود بيلاروسيا مع بولندا، بعد أن عرقلت القوات البولندية محاولاتهم للعبور بشكل غير قانوني، على عدم الكف عن المحاولة.

توجه زعيم بيلاروسيا المستبد إلى هذه المجموعة من اللاجئين الذين تجمعوا خارج مستودع بالقرب من بروزجي – ملجأهم المؤقت مع حلول فصل الشتاء القارس في أوروبا الشرقية: “إذا كنتم تريدون التوجه غربًا، فلن نمنعكم. إنه خياركم. مرّوا”.

أوضح لوكاشينكو خلال زيارة أداها في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر تم تصويرها وبثها على شاشات التلفزيون، أنه يعلم أن ما قاله لن يرضي الجميع، خاصة في الخارج، لكنه صحيح مؤكدا أنهم “ينبغي أن يعرفوا الحقيقة”.

ربما تعتبر طريقة تعامل لوكاشينكو مع الأزمة الإنسانية – التي دفعت مسؤولون أوروبيون لاتهام نظامه بتسهيل دخول المهاجرين من الشرق الأوسط إلى بيلاروسيا ثم توجيههم نحو الحدود – المثال الأخير الصارخ للدبلوماسية القسرية التي تستخدم النازحين كسلاح.

على نحو متزايد، يقع توظيف ملف الهجرة في الاتحاد الأوروبي كوسيلة لاستغلال الانقسامات السياسية العميقة والمخاوف العامة بشأن الهجرة غير الشرعية. تؤدي هذه الظاهرة إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددًا داخل الاتحاد الأوروبي تجاه الهجرة وطالبي اللجوء، حيث تسعى الدول الأعضاء إلى طرق جديدة لتعزيز حدودها وردع النازحين عن طريق التوغل داخل الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لمارسين برزيداتش، نائب وزير الخارجية البولندي، فإن الهدف من ذلك هو “اختبار مدى صمود بلادنا” من خلال إثارة عواطف ومشاعر الرأي العام”.

تهجير 10 ملايين شخص
ما الذي حدث؟ أدت حملة القمع التي شنها الجيش الباكستاني على حركة الاستقلال المزدهرة فيما كان يُعرف آنذاك بباكستان الشرقية إلى حدوث إبادة جماعية. على إثر ذلك، فرّ عشرة ملايين لاجئ بنغالي إلى الهند مما أدى إلى فرض ضغوط على نيودلهي للتدخل.

ما الذي حدث بعد ذلك؟ في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر، اعترفت إنديرا غاندي باستقلال بنغلاديش، وفي 16 كانون الأول/ ديسمبر سقطت دكا في أيدي القوات الهندية. وبحلول ربيع العام التالي، تم ترحيل 9 ملايين شخص إلى أوطانهم.

تكافح الحكومات لإيجاد طرق للرد على محاولات توظيف ملف الهجرة إلى جانب وسائل قسرية أخرى تهدف إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، مثل الهجمات الإلكترونية والمعلومات المضللة، التي طورتها موسكو لتصبح عقيدة عسكرية متطورة للحرب المختلطة”، وقد نسجت على منوالها دول أخرى.

أوضح جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، الشهر الماضي عندما كشف النقاب عن “معالم الخطة الإستراتيجية” الجديدة للاتحاد الأوروبي، أن “الفرق التقليدي بين الحرب والسلام آخذ في التضاؤل. لا تكون الأمور إما أبيضًا وأسود. العالم مليء بالمواقف الهجينة حيث نواجه ديناميكيات منافسة وسيطة ناهيك عن الكثير من ممارسات الترهيب والإكراه. وخير مثال على ذلك ما نراه اليوم على حدود بولندا وبيلاروسيا”.

ليست أوروبا المنطقة الوحيدة التي تعتبر فيها الهجرة قضية حساسة. لكن لدى الاتحاد الأوروبي مجموعة فريدة من الخصائص التي يمكن لخصومه مثل لوكاشينكو استغلالها.

إن الحكومات الوطنية هي المسؤولة في المقام الأول عن مراقبة الحدود الخارجية بينما لا توجد أي قواعد تضبط السفر داخل حدودها الجغرافية، ولا يوجد نظام لإدارة التدفقات الداخلية للمهاجرين ولا آلية فعالة لتقاسم المسؤولية عن طالبي اللجوء.

في المقابل، بعض الدول الأعضاء أكثر تعرضًا من غيرها لمثل هذه المشاكل سواء باعتبارها نقاط دخول أو وجهات مفضلة. علاوة على ذلك، تعاني الكتلة الأوروبية من انقسامات بين الدول وداخل الدول نفسها تجعل من قضية المهاجرين مستقطبة سياسيا.

ترى ناتالي توتشي، مديرة معهد الشؤون الدولية في روما والأستاذة الزائرة في جامعة هارفارد، أن “بيلاروسيا لعبت على خاصية كان تدرك أنها تمثل نقطة ضعفنا. كان ذلك صائبا تمامًا”.

يقول مارجريتيس شيناس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، إن حادثة بيلاروسيا شكلت تحولا في المناخ السياسي في الاتحاد الأوروبي من خلال تسليط الضوء على مدى تعرض الكتلة بأكملها لقضايا الهجرة. وهذا الأمر من شأنه أن يعزز إحساسًا أكبر بالتضامن. وأضاف شيناس أنه “كانت هناك شكوك في السابق في أجزاء من الاتحاد حول ما إذا كانت الهجرة تمثل مشكلة شائعة حقًا. أما في الوقت الحالي، أدى هجوم بيلاروسيا إلى تحفيز الرأي العام الأوروبي وساهم بشكل كبير في تقارب وجهات النظر التي لن نتمكن أبدًا من التعامل معها خارجيًا ما لم نتمكن من معالجتها داخليًا”.

“غزوات” منظمة
لا يعد استخدام تدفقات المهاجرين كأداة للعدوان أو التخويف حديث العهد ولا أمرا نادرا. قامت كيلي غرينهيل، الأكاديمية الأمريكية ومؤلفة كتاب أسلحة الهجرة الجماعية، بتوثيق 76 حالة على الأقل منذ الخمسينيات من القرن الماضي مؤكدة بأن هناك على الأرجح حالات أكثر من ذلك بكثير.

كانت بعض تدفقات الهجرة واسعة النطاق. أدت حملة القمع التي شنها الجيش الباكستاني في سنة 1971 إلى إرسال 10 ملايين لاجئ بنغالي إلى الهند جزئيًا للضغط على نيودلهي لوقف دعمها لحركة التمرد البنغالية. سمح فيدل كاسترو ثم شجع 125 ألف كوبي على الفرار إلى الولايات المتحدة في رحلة مارييل للقوارب  التي نظمت سنة 1980، بهدف إجبار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، الذي رحب في البداية بالتدفق قبل أن يفقد السيطرة عليه، على تقديم تنازلات سياسية.

كانت دوافع بعض الجهات الممارسة لاستراتيجية الإكراه واضحة. في محاولة لاستغلال التوترات العرقية داخل أوروبا، طالب الزعيم الليبي معمر القذافي في سنة 2010 بخمسة مليارات يورو سنويًا لوقف الهجرة غير الشرعية للأفارقة قائلا: “قد لا تظل أوروبا غدًا أوروبية، بل ممكن أن تصبح  إفريقيا، ذلك أنه يوجد الملايين ممن يريدون الدخول”.

من جانبه، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مناسبات عديدة بإغراق الاتحاد الأوروبي بنسبة من الأربعة ملايين لاجئ الذين تستضيفهم بلاده. وفي العام الماضي، نقل المسؤولون الآلاف منهم بالحافلات إلى الحدود البرية التركية مع اليونان، مما أدى إلى حدوث اشتباكات عنيفة مع حرس الحدود اليونانيين.

أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استيائه من تحمّل تركيا عبء المهاجرين الثقيل ومن تقاعس الاتحاد الأوروبي في أداء واجباته. وفي سنة 2016، أبرمت تركيا اتفاقًا مع الاتحاد الأوروبي لوقف تدفق معظم اللاجئين السوريين إلى أوروبا مقابل مساعدة قدرها 6 مليارات يورو على أن يتعهد الاتحاد الأوروبي بقبول المزيد من طالبي اللجوء المعترف بهم، وهو الأمر الذي لم يلتزم به الاتحاد الأوروبي.

في ذلك الوقت، صرح أردوغان: “بعد أن فتحنا الأبواب، كانت هناك نداءات متعددة لتضييق الخناق على المهاجرين. لكن قد انتهى الأمر، ويتعين على أوروبا أن تتحمل  في الوقت الراهن نصيبها من المسؤولية”.

استخدمت دول أخرى نفس تقنيات الترهيب لتحقيق أهداف قصيرة المدى. خلال شهر أيار/ مايو، شجعت السلطات المغربية آلاف المهاجرين، بمن فيهم العديد من مواطنيها، على السباحة حول السياج الحدودي ودخول منطقة سبتة الإسبانية في شمال إفريقيا. كان الغزو المنظم  شكلا من أشكال الاحتجاج والضغط. وكانت الرباط غاضبة لأن إسبانيا سمحت لإبراهيم غالي، زعيم حركة استقلال الصحراء الغربي الخاضعة لسيادة المغرب، بتلقي علاج طبي عاجل على أراضيها.

على مدى أشهر، كانت الرباط تضغط على مدريد لتأييد اعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء المغربية. وقد سمحت بعبور عدد من المهاجرين الوافدين من مياهها إلى جزر الكناري الإسبانية. حيال هذا الشأن، يقول مسؤول إسباني: “لم يتمكنوا من إجبار إسبانيا على تغيير موقفها، لذلك استخدموا هذا الشكل الهجين جدًا من الحرب للضغط على البلاد”. رفضت مدريد الرضوخ للضغوط المغربية على الرغم من أن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز استبدل لاحقًا وزير المكلف بالشؤون الخارجية.

هجرة 125 ألف شخص
ما الذي حدث؟ خلال شهر نيسان/ أبريل 1980 أعلن فيدل كاسترو أن جميع الكوبيين الراغبين في الهجرة إلى الولايات المتحدة يمكنهم ركوب قوارب في ميناء مارييل. فر حوالي 125 ألف كوبي في 1700 قارب إلى الشواطئ الأمريكية وتم اختراق خفر السواحل وممارسة ضغوط سياسية على الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر.

ما الذي حدث بعد ذلك؟ تم سجن وترحيل أكثر من 1700 كوبي، بينما وقع اعتقال مئات آخرين حتى تمكّنوا من العثور على أشخاص يكفلونهم. وقد وضع الاتفاق بين الحكومتين الأمريكية والكوبية الذي أبرم في تشرين الأول /أكتوبر 1980 حدا لهذه الهجرة الجماعية.

يمثل الامتداد القصير لمضيق جبل طارق البالغ 13 كيلومترًا بين إفريقيا وإسبانيا إحدى نقاط ضعف أوروبا أمام تدفقات الهجرة. وقرب الحدود الجغرافية لأوروبا يتركها معرّضة للاضطرابات في العراق وأفغانستان وليبيا، هذا فضلاً عن آثار التناقضات الهائلة في الثروة والفرص بين سكان دول الشمال والجنوب. في هذا الشأن، يوضح المسؤول الإسباني: “ما يجعل أوروبا عرضة لهذه التأثيرات هو أننا محاطون ببلدان تعيش تحت وطأة الصراعات في حين أن جيران جيراننا يعيشون في مأزق أكبر”.

الانقسامات الأوروبية
يوضح مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومؤلف كتاب “عصر عدم السلام”، مارك ليونارد، الذي يوضح كيف أن الاعتماد المتبادل بين الدول يؤدي إلى الصراع، وأن الجغرافيا تعد من بين النقاط الحساسة بالنسبة للاتحاد الأوروبي التي يستخدمها خصومه ضده. فقد بُني الاتحاد الأوروبي على التعددية والأسواق الحرة والمفتوحة، ثم حاول توسيع النموذج ليشمل بقية العالم من خلال تأسيس المؤسسات العالمية وإبرام الاتفاقيات التجارية.

أوضح ليونارد: “بالنسبة للأوروبيين، مثّل هذا ضربا من الإيديولوجيا أو فرصة اقتصادية، ووجدنا أنفسنا أكثر ارتباطًا بالعالم، لكننا بينا أكثر عرضة للخطر أيضًا”.

يدرك أولئك الذين يسعون إلى تسليح ملف الهجرة أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يصارع الآثار المزعزعة للاستقرار لأزمة 2015-2016، عندما تدفق حوالي 1.5 مليون طالب لجوء ولاجئ إلى أوروبا.

عدد النازحين: غير معروف
ما الذي حدث؟ في سنة 2008، وقع القبض على أكثر من 32 ألف شخص وهم يحاولون دخول إيطاليا بشكل غير قانوني. كان الاتحاد الأوروبي حريصًا على إبرام اتفاق مع الزعيم الليبي معمر القذافي للمساعدة من أجل وقف موجة الهجرة.

ما الذي حدث بعد ذلك؟ بعد توقيع اتفاق روما وطرابلس، انخفض عدد الأشخاص الذين دخلوا إيطاليا بشكل غير قانوني إلى 7300 سنة 2009. في سنة 2010، طالب القذافي بخمسة مليارات يورو سنويًا لتعزيز جهود ليبيا، محذرًا من أن أوروبا “يمكن أن تتحول إلى إفريقيا، فهناك ملايين الأفارقة الذين يريدون الدخول”.

سوف يتذكر الكثيرون قرار المستشارة أنجيلا ميركل الترحيب باللاجئين السوريين في ألمانيا باعتباره لفتة إنسانية نبيلة. لكن زعماء آخرين شعروا بالذعر من هذا القرار أحادي الأجانب الذي أثار الانقسامات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وساهم في تفاقم التوترات بين الشرق والغرب، وغذّى عداء القوى المناهضة للنظام الأوروبي.

من المحتمل أن هذه الموجة من المهاجرين قد ساهمت في قلب الموازين لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنها في الوقت ذاته تسببت في صراع داخل الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه ميركل.

من جانبها، قالت كامينو مورتيرا مارتينيز، الباحثة في مركز الإصلاح الأوروبي في بروكسل: “هذا لا يمكن أن يحدث مرة أخرى لأن عواقب ذلك ظلت راسخة في أذهان الجميع”.

تركت هذه الواقعة الأوروبيين منقسمين بشدة حول الأعداد المطلوبة من المهاجرين والمسموح باستضافتها دون الإضرار بالتماسك الاجتماعي لأوروبا أو هويتها الوطنية.

كان إرث أزمة 2015-2016 هو عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على وضع عنصر حيوي مفقود من”ميثاق” الهجرة المفترض: الذي يشمل مخطط إعادة التوطين الذي يسمح للدول الأعضاء بتقسيم طالبي اللجوء أو العبء المالي فيما بينها. وبالمثل، تغيب الحيادية عندما يتعلق النقاش بدمج اللاجئين واستخدامهم لسد النقص في سوق العمل.

يؤكد شيناس أن أفضل طريقة للتعامل مع تعرض أوروبا لهجمات الهجرة المختلطة هي الاتفاق على ميثاق. ويضيف أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى إنشاء  جملة من التدابير المتناسقة التي ينبغي أن تتضمن إعادة توطين طالبي اللجوء، وتقديم الدعم المالي، واستخدام قوة الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل التي تعرف باسم “فرونتكس”.

وأضاف شيناس: “لا يوجد أدنى شك في أن الهجرة تشكل معضلة أوروبية مشتركة وأن الدول الأعضاء تعمل على تجميع السيادة والموارد والمزيد من الإرادة السياسية لحلها لكونها مشكلة تهم كامل دول الأتحاد الأوروبي، وهذا ما سيحدث.

لكن بعض دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي أقل اقتناعًا بمدى جدوها هذه الخطة، إذ لم تتوصل الدول الأعضاء لحل بشأن طرق تعزيز التضامن وتوزيع طالبي اللجوء الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي عبر الدول الحدودية. كما عارضت بعض دول وسط أوروبا وشرقها، بما في ذلك بولندا والمجر، هذه الخطة بشكل ملحوظ.

من جهته، أكد مورتيرا مارتينيز أن “إجبار الناس على الانتقال إلى دول معينة في الاتحاد الأوروبي “غير وارد”. ووسط الجدل الدائر حول إدارة الهجرة داخليًا، استثمر الاتحاد الأوروبي في تعزيز ضوابطه الخارجية، وهو ما اعتبره النقاد سياسة “أوروبا الحصينة”.

استعان الاتحاد الأوروبي بمصادر خارجية لمراقبة تدفقات المهاجرين أبرزها الأنظمة التي لا تكترث لمعايير حقوق الإنسان. كما قدم بشكل مثير للجدل دعمًا ماليًا لخفر السواحل الليبي المدعوم من الميليشيات لمنع المهاجرين من عبور البحر الأبيض المتوسط. وكانت مساعدات الاتحاد الأوروبي الخارجية مرتبطة بشكل رئيسي بتأمين الحدود.

يقول المحللون إن المواجهة القائمة مع بيلاروسيا تؤدي إلى اتباع نهج أكثر تشددًا تجاه طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي. وقد استخدمت كل من بولندا وليتوانيا ولاتفيا القوانين أو المراسيم المؤقتة للحد من حق اللجوء، بالنظر إلى أن آلاف المهاجرين يدخلون عبر بيلاروسيا. وقد وافقت المفوضية الأوروبية يوم الأربعاء على القواعد التي تسمح بالتعليق المؤقت لبعض إجراءات حماية حق اللجوء.

اتُهمت دول على غرار اليونان برفض طالبي اللجوء، وهو ما يخالف القانون الدولي. وفي أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، دعت الدول الأعضاء بما في ذلك اليونان وقبرص وبولندا والنمسا، في رسالة إلى المفوضية، إلى تشديد قانون شنغن مطالبةً بحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي “بأقصى مستوى من الأمان”، بما في ذلك استخدام البنية التحتية المادية الممولة. ومن جهتها، استبعدت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية، صرف أموال الاتحاد الأوروبي على تشييد الأسوار والجدران الحدودية.

تقول هان بيرينز، مديرة معهد سياسات الهجرة في أوروبا، إن إعادة التفكير في الهجرة كانت “جزءًا من جهد أوسع من جانب الاتحاد الأوروبي لجعل نفسه أقل تأثرًا بالإجراءات التي تتخذها دول ثالثة، واتخاذ موقف أكثر جدية في الصراعات الجيوسياسية الأوسع نطاقًا”. وتضيف أن “مراجعة قانون شنغن الحدودي وبناء الأسوار يعالج أحد أعراض المشكلة، لكنه يفشل في معالجة عوامل الجذب والدفع الأساسية التي تجلب المهاجرين إلى أوروبا في المقام الأول”.

يد الكرملين
لو كان نظام الهجرة الأوروبي متكامل الأركان لساعد في نزع فتيل الخلاف بين بولندا وبيلاروسيا. لقد اصطفت حكومات الاتحاد الأوروبي وراء بولندا، على الرغم من العلاقات المتوترة المتعلقة بانتهاكات سيادة القانون. وعلى عكس لاتفيا وليتوانيا، اللتين سرعان ما تبددت أزمتهما على الحدود مع بيلاروسيا، رفضت حكومة حزب القانون والعدالة القومي في وارسو مساعدة الاتحاد الأوروبي ونصبت نفسها على أنها الحصن الوحيد ضد الهجرة غير الشرعية. كان ذلك على حد تعبير مورتيرا مارتينيز هدية سياسية “من شأنها أن تحقق لهم الفوز في انتخابات أخرى”.

النازحون 10 آلاف
ما الذي حدث؟ في أيار/ مايو 2021، شجّعت السلطات المغربية آلاف المهاجرين على دخول سبتة، وهي إقليم إسباني في شمال إفريقيا. وكانت الرباط غاضبة من أن إسبانيا قدمت مساعدات طبية طارئة لإبراهيم غالي، الزعيم المؤيد للاستقلال عن الصحراء الغربية، التي يطالب المغرب بالسيادة عليها.

ما الذي حدث بعد ذلك؟ تم نزع فتيل الأزمة في النهاية مع إرجاع المغرب للعديد من المهاجرين. وقد رُفضت مطالب المغرب باعتقال غالي والاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية.

استنتجت الأكاديمية الأمريكية غرينهيل من بحثها أن استخدام الهجرة كسلاح يعد أكثر نجاحًا من اللجوء إلى التدخل أو الإكراه أو العدوان. ويقول ميشال بارانوفسكي، الزميل البارز في صندوق مارشال الألماني في وارسو، إنه بالنسبة إلى لوكاشينكو، ساعدت هذه الواقعة في صرف الانتباه عن تدهور وضع حقوق الإنسان في بيلاروسيا بعد تزوير الانتخابات الرئاسية السنة الماضية.

تحدث الرئيس المستبد مباشرة إلى ميركل مرتين الشهر الماضي، بعد أن نبذه القادة الغربيون منذ حملته القمعية – مما يشير إلى أن جهوده لجذب المزيد من الاهتمام من الغرب قد لاقت بعض النجاح. كان لوكاشينكو أقل نجاحًا بكثير على الجبهات الأخرى، بما في ذلك رغبته في إثارة أزمة سياسية في بولندا، أو عزلها داخل الاتحاد الأوروبي، أو دفع الاتحاد الأوروبي على رفع العقوبات التي كان قد فرضها ضد بيلاروسيا.

يرى مارسين برزيداتش، مثل كثيرين آخرين في أوروبا، أن الرئيس فلاديمير بوتين يقف وراء الاستفزاز الذي يمارسه لوكاشينكو ضد الاتحاد الأوروبي، وذلك بالنظر إلى اعتماد الدكتاتور البيلاروسي على دعم الكرملين على الرغم من أن التدخل الروسي المباشر غير واضح.

حسب برزيداتش “كان أحد أهداف لوكاشينكو تقديم بولندا.. على أنها دولة غير إنسانية لا تلتزم بالمبادئ الأساسية، بينما يعطينا بوتين دروسًا عن الإنسانية كرئيس لروسيا. وأعتقد أن كل قارئ أوروبي أو أمريكي يمكنه رؤية الاختلاف”.

مع ذلك، لا يزال العديد من المهاجرين القادم معظمهم من الشرق الأوسط محاصرين على حدود بيلاروسيا، حتى بعد عودة بعضهم إلى ديارهم. وبحلول فصل الشتاء، لا شك أن هذه المأساة الإنسانية تقض مضجع العديد من الأوروبيين وتتركهم مستقطبين بشأن الاستجابة الصحيحة. ومن خلال دميته البيلاروسية، على حد تعبير توتشي، “يخجلنا بوتين في عيون العالم”.

الصحيفة: فايننشال تايمز

مقال لـ بين هال

المصدر : نون بوست

اترك تعليقا