المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

هل تخوض عُمان وساطة جديدة بين طهران وواشنطن؟

خاص لـ”المعهد العراقي للحوار” ـ أحمد الساعدي

“الوسيط الموثوق والمحايد” هكذا ينظر صانع القرار في طهران إلى سلطنة عمان لمساعيها في تقريب وجهات النظر وتبادل الرسائل السرية بين إيران والولايات المتحدة لإحياء المفاوضات النووية التي توقفت منذ أكثر من عام على خلفية تبادل الاتهامات بين طهران وواشنطن حول عملية إحياء الاتفاق المبرم عام 2015.

الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مطلع آيار/مايو 2018، أصبح بحكم “الميت” رغم محاولات إدارة جو بايدن لتفعيله، فيما اتخذت طهران خطوات وصفها الغرب بـ”التصعيدية” في رفع نسبة تخصيب اليورانيوم وإزالة بعض كاميرات المراقبة من بعض المنشآت النووية بالإضافة إلى الحد من وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقامت عمان بتحركات دبلوماسية واسعة النطاق فيما يتعلق بإيران في الأسابيع الأخيرة، وفي يوم الأحد وصل سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد إلى طهران في زيارة رسمية استمرت يومين التقى خلال كبار المسؤولين الإيرانيين بينهم المرشد آية الله علي خامنئي، فيما كشفت تقارير لوسائل إعلام إيرانية محسوبة على الإصلاحيين وحتى المحافظين عن رسالة أمريكية إلى طهران بشأن استئناف المفاوضات النووية في فيينا.

تريد طهران من المفاوضات رفع العقوبات المفروضة عليها والوصول إلى الأموال المجمدة بالخارج فضلاً عن رفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة، فيما ترفض الأخيرة المطلب الأخيرة وتضع شروطاً على الأموال المحجوبة وهو ما عرقل الاتفاق.

وفي سياق متصل، كشف وزير الخارجية الإيراني، الثلاثاء، في حديث لصحيفة “فيغارو” الفرنسية، إن “العقوبات ضد إيران ليست دائمة. في إطار القوانين الدولية ، لدينا دائمًا إمكانيات ومرافق تحت تصرفنا”.

وأضاف “لقد أجرينا مفاوضات طويلة في فيينا وكنا على وشك التوصل إلى اتفاق، لكن الجانب الآخر كان لديه مطالب كثيرة أعاقت تقدم المفاوضات. وطريق الدبلوماسية والمفاوضات مستمرة. وهناك دائماً رسائل شفهية ومحادثات بيننا وبين الأمريكيين عبر وسطاء في المنطقة وحتى أوروبيين”.

رسائل ما قبل زيارة سلطان عمان

وقبل أن تحط طائرة سلطان عمان في مطار مهر آباد بطهران، تبادلت إيران مع بلجيكيا اثنين من السجناء في خطوة عدها مراقبون أنها ضمن جهود مسقط لاستئناف المفاوضات النووية بين إيران والقوى الدولية.

فيما كشفت صحيفة “إيكونوميك دايلي” الكورية الجنوبية، عن مشاورات بين مسؤولين كوريين وأمريكيين حول الإفراج عن 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الكورية الجنوبية.

فيما قال مصدر إيراني مطلع لوکالة “مهر” الإيرانية، إن خلال المفاوضات الفنية الأخيرة بين منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حُل موضوع أحد المواقع المزعومة المعروف باسم موقع آباده.

المصدر الإيراني ذكر أن “هذا ثاني ملف يُغلق عن الأماكن المزعومة من الوكالة الدولية”، منوهاً إنه “تم حل ادعاء الوكالة الدولية الخاص بقضية اكتشاف جزيئات يورانيوم مخصبة بنسبة 83.7٪ بعد أن قدمت إيران توضيحات تقنية حول الموضوع”.

وما عزز الخطوة الإيرانية التي تحدثت عنها وكالة مهر المقربة من المحافظين، أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، عن إحراز تقدم مع إيران في بعض القضايا.

وقال غروسي “سأنشر تقريري الدوري عن وضع البرنامج النووي الإيراني قريباً.. ونحن نعمل على عدة قضايا مع إيران ونحرز تقدما في بعضها وفي البعض الآخر لا”.

زيارة سرية لمسؤول أمريكي

وفي سياق متصل، أفادت وسائل إعلام أمريكية عن رحلة وصفتها بـ”الهادئة” لمسؤول أمريكي إلى مسقط اليوم الأربعاء للتحقق من إمكانية التوصل إلى إتفاق نووي مع إيران.

موقع “أكسيوس” يتحدث عن زيارة سرية لمسؤول أميركي إلى مسقط للعمل على وساطة عمانية جديدة في الملف النووي الإيراني، تقوم على تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية مقابل تجميد طهران برنامجها عند حدود معيّنة.

وقام كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن للشرق الأوسط بريت ماكغورك برحلة سرية إلى سلطنة عُمان في وقت سابق من هذا الشهر لإجراء محادثات مع المسؤولين العمانيين بشأن التواصل الدبلوماسي المحتمل مع إيران في ما يتعلّق ببرنامجها النووي، وفقًا لما ذكره خمسة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وأوروبيين.

بدورها أعلنت إدارة بايدن إنها قلقة للغاية بشأن التقدّم في البرنامج النووي الإيراني، وخطر أن يؤدي ذلك إلى تصعيد عسكري إقليمي.

وكان موقع “أكسيوس” قد أفاد في نيسان/ أبريل بأنً الإدارة الأميركية ناقشت مع شركائها الأوروبيين والإسرائيليين اقتراحاً محتملاً لاتفاق مؤقت مع إيران يتضمّن تخفيف بعض العقوبات مقابل تجميد طهران لأجزاء من برنامجها النووي.

وأكد أربعة مسؤولين إسرائيليين وأميركيين أنّ ماكغورك سافر إلى مسقط في 8 أيار/ مايو، بعد رحلة إلى السعودية مع مستشار الأمن القومي جايك سوليفان وزيارة لإسرائيل لإطلاع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على المحادثات الأميركية في الرياض.

زيارة مسقط لم يتم الإعلان عنها من قبل الولايات المتحدة أو عمان. وقال المسؤولون إنّ القضية الرئيسية التي تمّت مناقشتها كانت دفعة دبلوماسية جديدة بشأن البرنامج النووي الإيراني بوساطة عمانية.

قال مسؤول إسرائيلي كبير لموقع Axios، مستخدماً المصطلحات الدبلوماسية للمفاوضات التي تتم من خلال طرف ثالث متفق عليه من دون لقاء وجهاً لوجه: “العُمانيون يُجرون محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران”.

زعم ثلاثة مسؤولين إسرائيليين كبار إنّ البيت الأبيض يستكشف من خلال الحكومة العمانية ما إذا كان الإيرانيون منفتحين على اتخاذ خطوات من شأنها وضع بعض القيود على برنامجهم النووي وتهدئة الوضع الإقليمي، وماذا يريدون في المقابل.

وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين الكبار لموقع أكسيوس: “الأميركيون يريدون استراحة”، ورد متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض على مزاعم المسؤولين الإسرائيليين بالتالي: “لا توجد مناقشة أميركية لاتفاق مؤقت، ولا مناقشة لتخفيف العقوبات أو إغلاق قضايا الضمانات”.

وعلّق دبلوماسي أوروبي رفيع: “الولايات المتحدة تعمل مع العمانيين في الشأن الإيراني”، بينما رفض المتحدث باسم باسم مجلس الأمن القومي التعليق على الدبلوماسية الإقليمية “التي تشكّل إيران أحد جوانبها”.

وقال ثلاثة مسؤولين إسرائيليين لموقع أكسيوس إن الحكومة الإسرائيلية قلقة بشأن دفع إدارة بايدن المحتمل لأجل الوصول إلى خيار “التجميد من أجل التجميد”، أي اتفاق مؤقت مع إيران.

ومن المتوقع أن يناقش وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي هذه المخاوف خلال زيارتهما للبيت الأبيض يوم الخميس، كما أفاد موقع أكسيوس سابقًا.

أمريكا: سنواصل السعي إلى الدبلوماسية مع إيران

بدوره، قال المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران، روبرت مالي، نحن نركز بشكل كبير على منع إيران من اتخاذ قرار تخصيب اليورانيوم على مستوى الأسلحة، مبيناً “إذا قررت إيران امتلاك سلاح نووي، فستحصل على اليورانيوم المخصب الذي تحتاجه في فترة قصيرة من الزمن”.

وبحسب تقييم المخابرات الأمريكية، فإن إيران ليس لديها قرار بالحصول على قنبلة نووية في هذا الوقت، بحسب روبرت مالي، موضحاً إن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، وسنستمر في اتباع الدبلوماسية لأننا نعتقد أنها الطريقة الأكثر قابلية للتحقق والدائمة لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية.

انفراجة في المفاوضات النووية قريباً

من جانبها، علقت جريدة عُمان في تقرير لها، عن اختتام السلطان هيثم بن طارق زيارته الرسمية لإيران الأحد الماضي، وكما كان متوقعا فإن الزيارة التي وصفت على نطاق واسع «بالتاريخية» حققت نجاحاً كبيراً في جميع مساراتها وبشكل خاص المسار السياسي.. ومن بين تلك المسارات الناجحة ما أُعلن أمس مباشرة حول موضوع عودة العلاقات بين مصر وإيران حيث رحبت إيران بعودة علاقاتها مع مصر بعد عقود من الفتور تخللتها فترات قطيعة كاملة، مضيفة “وهذا خبر مهم للمنطقة نظرا للمكانة التي تحتلها مصر في قلب العالم العربي.. أمّا النجاح الآخر المنتظر أن يكشف عنه خلال المرحلة القادمة فيتعلق بالملف النووي الإيراني الذي تعثرت مفاوضاته كثيراً، رغم أن الظروف العالمية تدفع باتجاه إنجازه في أسرع وقت ممكن. وأمام ذلك فإن المرحلة القادمة تتطلب الكثير من المرونة سواء من قبل إيران أو من قبل المجتمع الدولي وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية”.

اترك تعليقا