المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

الجوانب المشتركة بين السنة والشيعة عبر التاريخ الإسلامي واعتمادها منهجاً في الدرس والحوار بعد داعش

أ.م.د خميس غربي حسين ـ جامعة تكريت/كلية الآداب                                                                                                                                                                                                                    

من المعلوم أن العديد من الأزمات ولا سيما السياسية والفكرية تتمحور وتنبع من العامل التاريخي، هل أن التاريخ يعيد نفسه  ؟، إننا دائماً ما نستذكر التاريخ عندما تداهمنا المشكلات على اختلافها ونفتش عن جذور لها، من هنا نتسأل هل التاريخ الذي نستذكره على الدوام وفي مناسبات كثيرة يحفزنا نحو المستقبل ويدفعنا للإبداع ؟، أم أن التاريخ أصبح حالة نرتبط بها وتجرنا إلى الوراء، ومن ثم تجعلنا مجتمعات تجتر الماضي بدون رؤية واضحة نحو التجديد في بناء الحاضر والمستقبل، وبعد هذا ؟ هل نحن نعيش الحاضر بعقلية الماضي وأن الكثير من ظواهر التطرف والإرهاب تعود في منابعها إلى تاريخنا الإسلامي ؟، في حين أن طبيعة الحياة وفلسفتها هي السير نحو الأمام من أجل مستقبل أفضل . ثم ما هي أوجه التماثل والاختلاف بين المذاهب الإسلامية ؟ هل هناك خلاف أم اختلاف، أم أن أي دين له قراءات متعددة تتوافق مع طبيعة النفس البشرية التي ارادها الله أن تكون كذلك .

     هل التاريخ حسبما يدعي فلاسفته هو منبع للأفكار والرؤى والقوانين التي تدفع الإنسان إلى استذكار الماضي واستقراء الحاضر من أجل التخطيط لبناء مستقبل أفضل والإفادة من تجارب الماضي في بناء الشخصية الإنسانية الحضارية التي تستفيد من التاريخ  لمواجهة متطلبات الحاضر ؟، أم أن التاريخ يشكل عبئاً على عقلية إنساننا المعاصر، لا سيما في المجتمع الإسلامي، بل إنه سبب ويلاتنا ومصائبنا نحن المسلمين والعرب على وجه الخصوص .

     إن ما عانيناه ونعاني منه اليوم من انقسامات فكرية حادة، بين تيارات دينية مختلفة وفرق وأحزاب متناحرة، هو نتاج الاستقراء الخاطئ وتقطيع التاريخ وتجزئته، ولأن طبيعة العامل التاريخي تكمن في بلورة الأحداث وصياغتها، لذا نلحظ أن الفعل التاريخي يميل إلى الظهور والاختفاء من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، مع علمنا أن طبيعة التاريخ هي اتصالية الفعل، إلا ان المتطرفين لجأوا  إلى استذكار أحداث التاريخ ومحاولة إسقاطها على الواقع، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه العامل التاريخي .

     إن استقراء الأوضاع التي يعيشها المسلمون تنذر بالفاجعة والانحدار، بل إن ما تتعرض له بلدان مثل العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن وافغانستان يؤيد بجلاء ما ذهبنا إليه، ومن الغريب أن الدين الإسلامي خاتم الأديان السماوية رغم وضوح مقاصده الشريفة ومعانيه السامية التي حمل لواء تفسيرها علماء أجلاء على مدى مئات السنين، ينبري في هذه الحقبة زمرة من المتطرفين الجهلاء أعمى الغلو بصيرتهم ليبتدعوا تفسيرات خاصة بهم تخرج عن مفهوم الدين وتشوه صورته النقية أمام العالم غير الإسلامي، والقرآن الكريم يدعو إلى الوسطية وينهى عن الغلو، قال تعالى : ((لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق))([1]) .

والأكثر من ذلك، فقد أنتج التطرف فرقاً تكفر سائر المسلمين لمجرد الاعتقاد بالزيارة، والتوسل، والشفاعة، إذ عُدت هذا _ حسب منظورها_ كفراً بواحاً ؛ وأباحت لأجله دماء المسلمين، ولازالت تتخبط في تصرفاتها وقد أدى ذلك إلى اتهام الإسلام بكل سماحته ورحمته وإنسانيته بالتعسف والإرهاب .

عاش أبناء العراق بشيعته وسنته على مدى التاريخ الإسلامي في وتواصل ومحبة، بل أنك لتجد كليهما في تواد وتراحم، والتاريخ سجل لنا على سبيل المثال لا الحصر مواقف لآل بيت النبوة (عليهم السلام)، لقد راع الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما حصل للخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وأرسل ولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) للدفاع عن الخليفة المغدور، ونقل أن الإمام علي (عليه السلام) كان يعز السيدة عائشة ويحترمها على الرغم من الفتنة التي أطلت برأسها في معركة الجمل، وأجاب الإمام زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) عندما سأل عن الشيخين، بالاحترام والتوقير لهما، وأن خلافتهم كان صحيحة، ثم ماذا، ألم يكن أبو حنيفة تلميذاً للإمام الصادق (عليه السلام) وتعلم على يده الفقه وأصول الدين .

ن المتتبع للتاريخ الإسلامي سيجد أن المشتركات بين المذاهب الإسلامية جميعاً تكاد تشكل القاسم المشترك، أما الاجتهاد فهو من طبيعة الحياة والدين، فأي دين مهما كان، لا بد من اختلاف القراءة لمعتنقيه، وهذه ليست صفة سلبية إنما دلالة على النضج والتطور والحيوية لهذا الدين .

    إننا نهدف من هذا البحث التأكيد على أن الاجتهاد الذي هو حاصل بين فقهاء المذهب الشيعي والمذهب السني هو بالفروع وليس بالأصول، ذلك أن كليهما يعبد الله ويتجه إلى بيته في الصلاة وحجهم واحد، وصيامهم واحد، وشهادتهم واحدة هي كلمة السواء (هي لا إله إلا الله)، ألا يكفي هذه للتأكيد على أن الشيعة والسنة أمة واحدة، وأن الذي حصل بعد الاحتلال عام 2003م ما هو إلا محاولة من أعداء العراق، وعدد من ضعاف النفوس  لشق الصف الوطني وتمزيق النسيج الاجتماعي .

    إن أسباب الغلو والتطرف، ومن ثم، الإرهاب موضوع مثير للجدل، فكل يؤوله لسبب معين وفق معتقده السياسي والديني ورؤيته الفكرية ومصالحه المادية والمعنوية، وغالباً ما يستشهدون بآيات من القرآن الكريم والسنة النبوية، وأقوال السلف الصالح من المسلمين، ويعمدون إلى تحريف النصوص بما يخدم توجهاتهم وآرائهم ومصالحهم ومنطلقاتهم الفكرية.

لقد سجل القرآن الكريم والسنة النبوية نماذج للحوار بمختلف مستوياته وأساليبه ليعلم الناس جميعاً بأن هذا الدين إنما تبنى دعوته على الاقتناع والبينة والحجة العقلية، ولا مجال فيه أبداً للقسر والإكراه.

وإذا كان الحوار ضرورياً على مر التاريخ، فهو اليوم أشد ضرورة وأكثر أهمية في ظل معطيات حضارية عديدة، منها :

  1. ثورة الاتصالات الحديثة وتقنية المعلومات التي تُبث عبر أجواء مشحونة بالتوتر وافتعال الصراع ونشر ثقافة القوة .
  2. ظهور الإيديولوجيات الفكرية العقدية، ومحاولة توظيفها لخدمة أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية .
  3. انتشار فكرة العالمية، وإحساس الدول بارتباط مصيرها بالأجزاء الأخرى من العالم، وارتباط الأفراد والمجتمعات في هذه الدول بمصالح مشتركة .

فالعراقيون بمختلف مذاهبهم تحت طائلة المسؤولية الدنيوية والأخروية، مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى لإحياء ثقافة الحوار ونشر ثقافة الإسلام ومبادئه، تلك الثقافة التي تمثل قوة في المبادئ والقيم والفكر الأصيل، لتكون قوة الثقافة في مواجهة ثقافة القوة المهيمنة على الحضارة المعاصرة.


[1]– سورة النساء , آية : 171 .

اترك تعليقا