المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

بوتين واستراتيجية “الابتزاز النووي”

منذ بداية الأزمة الأوكرانية، أثبتت نبرة الدبلوماسيين في قصر الإليزيه أنها مؤشر  على درجة ما يمثله التهديد الروسي من خطورة، وفي يوم الخميس 3 أذار/ مارس، في القصر الرئاسي كانت اللهجة جادة للغاية ومخيفة تقريبًا.

خرج إيمانويل ماكرون من مكالمة مدتها ساعة ونصف مع فلاديمير بوتين، تعهد خلالها الرئيس الروسي بـ ”تحييد أوكرانيا بالوسائل العسكرية إذا لزم الأمر“ وهاجم ”سلوك النازيين“ الأوكرانيين وفق ما ذكره تقرير لصحيفة ليكسبريس الفرنسية.

ووضح شاهد على المكالمة وفق تقرير الصحيفة، أنه ”بدون تقديم تنبؤات يجب أن نتوقع الأسوأ. لا شيء ممّا قاله الرئيس بوتين قابل لأن يطمئننا.“

الشروط الروسية

هذا التبادل الذي جاء بمبادرة من الرئيس الروسي يبعث برسالة واضحة للغاية للغربيين: بوتين مستعد لفعل أي شيء لتحقيق غاياته. تصميمُه الواضح، وعزلته أثناء تدخلاته أمام الكاميرا وخطابه المطعّم ”بجنون العظمة“ ، بحسب تعبير الإليزيه، يسمح له بإثارة الذعر بين السكان الغربيين وممارسة ضغوط هائلة على قادتهم.

قد يؤدي التهديد الكبير لأمنهم إلى قبول الأوروبيين بوقف الحرب بأي ثمن، أي وفق الشروط الروسية.

وهناك خطوة أخرى في إستراتيجية الكرملين تتمثل في استخدام ”الابتزاز النووي“، كما أشار إليه الجنرال ريتشارد شيريف، النائب السابق لقائد الناتو، في مقابلة مع صحيفة ليكسبريس: ”هل يمكننا أن نتخيل أنّ بوتين يذهب إلى حد استخدام الأسلحة النووية؟ إني أعتقد ذلك. الروس يدمجون التفكير النووي في جميع جوانب عقيدتهم وتدريباتهم العسكرية.. ”هذا يسمّى بالابتزاز النووي الروس يهدّدون الناتو والغرب باستخدام هذا السلاح على أمل أن يتراجع الغرب“.

ولزرع الذعر في أوروبا لا يتحدث الكرملين عن الأسلحة النووية وحسب، بل يستهدف أيضًا المواقع النووية المدنية الأوكرانية.

ومن خلال الاستيلاء على محطات الطاقة النووية الأوكرانية، يريد الكرملين بث الذعر بين السكان الأوروبيين، في أقصى ضغط على الغرب.

نظرية ”الرجل المجنون“

في يوم الخميس، بعد ساعات قليلة من حديثه إلى إيمانويل ماكرون أطلق فلاديمير بوتين قواته لمهاجمة زابوريجيا، أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا.

ولم يتردد الجيش الروسي في استخدام الأسلحة الثقيلة لصد الأوكرانيين، مما تسبب في اندلاع حريق في المحطة قبل السيطرة الكاملة عليه.

حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الساعة الرابعة صباحًا قائلا: ”تذكرون جميعًا كلمة تشيرنوبيل. روسيا تفعل الشيء نفسه مرّة أخرى“. طوال الليل وضع الخوفُ من وقوع حادث نووي خطير، كوكبَ الأرض في حالة حذر وتأهب.

في اللقاء رأسًا لرأس مع إيمانويل ماكرون لم يذكر فلاديمير بوتين أبدًا التهديد النووي. لكن اتصالاته العامة، مثل تأثيره على الرأي العام يُذكِّر بالنظرية الجيوسياسية ”المجنون“، أو ”الرجل المجنون“ في نسختها الأصلية التي وضعها ريتشارد نيكسون موضع التنفيذ خلال الحرب الباردة.

أظهر الرئيس الأمريكي عن طيب خاطر جانبه الغاضب وغير القابل للتنبؤ من أجل زعزعة استقرار الاتحاد السوفيتي، وجعله يعتقد أنه مستعد لفعل أي شيء لمحاربته، بما في ذلك الضغط على الزر النووي.

كان دونالد ترامب قد تولى هذه الاستراتيجية ضد كيم جونغ أون، ووعد ”بالقضاء على كوريا الشمالية“ في حالة وجود تهديدات من بيونغ يانغ.

يبقى أنّ نرى ما إذا كانت قضية فلاديمير بوتين، في الأزمة الحالية، مرتبطة بالاستراتيجية الجيوسياسية، أم بالطب النفسي.

اترك تعليقا